سورة الجاثية - تفسير تيسير التفسير

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الجاثية)


        


لآياتٍ: لعبراً ودلائل. يبثّ: ينشر. اختلاف الليل والنهار: تعاقبهما. تصريف الرياح: تغييرها من جهةٍ إلى اخرى.
حم: حرفان من الحروف الصوتية ابتدأت بهما هذه السورة وقد سبق الكلام عن مثله.
إن هذا الكتابَ الكريم أنزله الله، الحكيمُ في تدبيره لهذا الكون العجيب ولكل ما خلق، وان في خلْق السمواتِ والأرض من بديع صُنْع الله لآياتٍ دالة على ألوهيته ووحدانيته يؤمن بها المصدّقون بالله العظيم. وكذلك في خلْق الناس على أحسنِ تقويم، وما ينشرُ في الأرض من الدواب- دلالات قوية واضحة {لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ}.
ومثل هذا في اختلافِ الليل والنهار وتعاقُبهما على نظام ثابت، وفيما أنزل اللهُ من السماء من ماءٍ فأحيا به الأرض بعد موتها ويبْسِها، وتصريف الرياح إلى جهاتٍ متعددة علاماتٌ واضحة {لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ}.
تلك آياتُ الله الكونية التي أقامها للناس، نتلوها عليك أيها الرسولُ مشتملةً على الحق، فاذا لم يؤمنوا بها {فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ الله وَآيَاتِهِ يُؤْمِنُونَ}؟
قراءات:
قرأ حمزة والكسائي ويعقوب: {لآياتٍ} بكسر التاء في المواضع الثلاثة، والباقون: {لآياتٍ} بكسر التاء الأولى، وفي الموضعين بعد ذلك {لآياتٌ لقوم} بالرفع. وقرأ حمزة والكسائي: {وتصريف الريح} بالافراد. والباقون: {وتصريف الرياح} بالجمع. وقرأ الحجازيان وحفص وأبو عمرو وروح: {يؤمنون} بالياء. والباقون: {تؤمنون} بالتاء.


أفاك: كذاب. أثيم: مذنب، مجرم كثير المعاصي. فبشّره بعذاب: جاء التعبير بالتبشير للاستهزاء به، لأن العذاب لا يبشَّر به. من ورائهم جهنم: تنتظرهم. يغني: يدفع عنهم. الرجز: عذاب من نوع شديد. سخر: هيأ. لتبتغوا من فضله: لتطلبوا من فضل الله. لا يرجون: لا يتوقعون حصولها. أيام الله: تطلق على ايام الخير، وأيام الشر.
الهلاكُ والعذاب لكل كذّاب في قوله وأثيم في فعله.. يسمع هذا المفتري آياتِ الله تُقرأ عليه ثم يبقى مصرّاً على كفره مستكبراص كأنْ لم يسمعها، فبشّره أيها الرسولُ بأشدّ العذاب.
وفي قوله تعالى: {فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} تهكم واحتقار لهؤلاء المكذبين.
واذا وصل مثلُ هذا إلى علمه شيء من آياتنا واستهزأ بها وسخِر منها.
{أولئك لَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ}
من ورائهم جهنمُ تنتظرهم، ولا يدفعُ عنهم العذابَ ما كسبوا في الدنيا من الأموال والأولاد. ولا تُغني عنهم أصنامُهم التي عبدوها من دون الله شيئا، {وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ}.
إن هذا القرآن هدى من عند الله، والذين كفروا بآياتِ ربّهم لهم العذابُ المؤلم يوم القايمة! أما يعلمون انه وحده الذي ذلل البحرَ تجري السفنُ فيه بأمره، تحمِلُ الناسَ وجميع ما يحتاجون!! بفضله يَسَعُكم أن تطلبوا من خيراتِ البحر بالتجارة والصيد واستخراج ما فيه من لآلئ وتشكروه على ما أفاض عليكم من هذه النعم.
كذلك سخّر لكم جميع ما في السموات وما في الأرض ليوفّر لكم منافعَ الحياة، وكل هذه النعم آياتٌ تدلّ على قدرته تعالى لقومٍ يتفكّرون في صنائع الله القدير.
ناظرَ طبيبٌ نصراني من أطباء الرشيد عليّ بن الحسين الواقدي المَرْوَزِيَّ، في مجلس الرشيد فقال له: إن في كتابكم ما يدلّ على أن عيسى بن مريم جزءٌ من الله تعالى، وتلا قوله: {إِنَّمَا المسيح عِيسَى ابن مَرْيَمَ رَسُولُ الله وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إلى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِّنْهُ} [النساء: 171].
فقرأ الواقدي قوله تعالى: {وَسَخَّرَ لَكُمْ مَّا فِي السماوات وَمَا فِي الأرض جَمِيعاً مِّنْهُ} ثم قال: اذنْ يلزم ان تكونَ جميع تلك الأشياء جزءاً من الله! فانقطع الطبيب واسلم. وفرح الرشيد بذلك فرحاً شديدا، ووصَل الواقديَّ بصلةٍ فاخرة.
ثم بعد ذلك أمر الله المؤمنين ان يتحلّوا بأحسنِ الأخلاق، فطلب اليهم ان يصفَحوا عن الكافرين ويحتملوا أذاهم، وعند الله جزاؤهم بقوله تعالى: {قُل لِّلَّذِينَ آمَنُواْ يَغْفِرُواْ لِلَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ أَيَّامَ الله لِيَجْزِيَ قَوْماً بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ}
يا أيها الذين آمنوا: تسلَّحوا بالصبر، واغفِروا واصفَحوا تربحوا، فَ {مَنْ عَمِلَ صَالِحاً فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَآءَ فَعَلَيْهَا} ثم إنكم جميعاً إلى خالقكم تُرجَعون للجزاء.
قراءات:
قرأ حفص وابن كثير: {من رجز أليمٌ} برفع ميم {أليم}. والباقون: {من رجز أليمٍ} بجر {أليمٍ} على انه صفة لرجز. وقرأ ابن عامر وحمزة والكسائي: {لنجزي} بالنون. والباقون: {ليجزي} بالياء.


الكتاب: التوراة. الحكم: الفصل بين الناس وفهم ما في الكتاب. الطيبات: كل رزق حسن. بيّنات من الأمر: دلائل واضحات من امر الدين. بَغياً: حسدا وعنادا. على شريعة من الأمر: على طريقة ومنهاج في امر الدين، وأصل الشريعة: الماء في الانهار ونحوها مما يَرِدُ الناس عليها، وشريعة الدين يتبصر فيها الناس في امور دينهم. بصائر للناس: معالم للدين يتبصر بها الناس. لقوم يوقنون: يطلبون علم اليقين.
يأتي الحديث هنا عن القيادة المؤمنة للبشرية، وأن هذه القيادة تركّزت أخيراً في الاسم. والله سبحانه يُقسِم بأنه اعطى بني إسرائيلَ التوراةَ والحكم بما فيها النبوة، ورَزَقَهم من الخيرات المتنوعة وفضّلهم بكثيرٍ من النعم على الخلْق في عصرهم. وأعطاهم دلائلَ واضحةً في أمرِ دينهم، فما حدثَ فيهم هذا الخلافُ إلا من بعدِ ما جاءهم العلمُ بحقيقة الدين وأحكامه، بغياً بينهم بطلب الرياسة والتكالب على الدنيا، والجشعَ في جمع الأموال.
{إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بِيْنَهُمْ يَوْمَ القيامة فِيمَا كَانُواْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ}.
وفي هذا تحذيرٌ لنا يا أمةَ محمد، وقد سلك الكثيرُ منا مسلكهم، واستهوتْهم الدنيا، وغرِقوا في متاعها ولذّاتها، فلْنحذَر الانحدارَ إلى الهاوية.
ولما بيّن ما آل اليه بنو إسرائيل بإعراضهم عن الحق بغياً وحسَدا، أمر رسولَه الكريم ان يبعد عن هذه الطريقة، وان يستمسك بالحقّ الذي أرسله به.
ثم جعلْناك يا محمدُ (بعد بني إسرائيل الذين تقدمتْ صفاتُهم) على نهج خاصٍّ من أمرِ الدين الذي شرعناه لك، فاتبعْ ما أُوحيَ إليك.
{وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَآءَ الذين لاَ يَعْلَمُونَ} من المشرِكين الجاهلين، ذلك ان هؤلاء الكافرين لا يدفعون عنك شيئاً من عذابِ الله إنِ اتّبعتهم، وان الكافرين بعضهم أولياء بعض.
{والله وَلِيُّ المتقين}
هو ناصرُهم، فلا ينالهم ظلم الظالمين.
وهذه كانت بشرى من الله للرسول وللمؤمنين وهم لا يزالون في مكة.
وبعد هذا كله يبين الله فضل القرآن، وما فيه من الهداية والرحمة للناس اجمعين فيقول: {هذا بَصَائِرُ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ}.
إن هذا القرآن وما فيه من احكام واخلاق وتهذيب دلائلُ للناس تبصّرهم في أمور دينهم ودنياهم، وهدى يرشدُهم إلى مسالك الخير، ورحمةٌ من الله لقوم يوقنون به ويؤمنون بالله ورسوله.

1 | 2